منتديات المحبة
اهلا وسهلا بزوار*( منتديات المحبة )*
يرجاء تسجيل في المنتدى .................!!!!!!!!!
منتديات المحبة
اهلا وسهلا بزوار*( منتديات المحبة )*
يرجاء تسجيل في المنتدى .................!!!!!!!!!
منتديات المحبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المحبة


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التاريخ الأسود لشيطان الإرهاب القذافي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الزعيم
مدير العام
مدير العام
الزعيم


ذكر عدد الرسائل : 845
العمر : 32
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 03/12/2007

التاريخ الأسود لشيطان الإرهاب القذافي Empty
مُساهمةموضوع: التاريخ الأسود لشيطان الإرهاب القذافي   التاريخ الأسود لشيطان الإرهاب القذافي Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 15, 2009 3:24 am

التاريخ الأسود لشيطان الإرهاب القذافي
30 ألف ليبيي يخضعون للإعتقال السياسي


النظام الليبي ارتكب ضد الشعب الليبي والعرب رزنامة جرائم
350 مليار دولار أنفقها القذافي على تنظيم المؤامرات الإرهابية
القذافي انتهج سياسة عدوانية تآمرية قلقة متقلبة ضد الجيران والعرب
نفذت المخابرات الليبية 127 عملية تخريب وانقلاب فاشل و اغتيلات فردية

هناك مقولة بدهية معروفة، هي موضع اتفاق، ليس بين الليبيِّين جميعهم فحسب، ولكن بين البشر جميعاً.. هذه المقولة مفادها أنّ لكلّ فعل فاعلاً.. وأنّ وراء كلّ جريمة مقترفاً لها أو مرتكباً.. وأنّ لكلّ جريمة عقوبة وقصاصاً. وسوف أتّخذ من هذه المقولة محوراً وأساساً لهذه المقالة.
فما هي الجريمة التي أعنيها؟
ومن هو مقترف هذه الجريمة ومرتكبها؟ أو من هو المسؤول عنها؟ وما هو الموقف من هذا الجاني/ المسؤول عن هذه الجريمة؟ أو ما هو جزاؤه؟ وما نوع القصاص الذي ينبغي أن يلحق به؟
مظاهر وملامح المأساة
خضعت ليبيا حتى الآن للسلطة التي أقامها النظام الانقلابي بقيادة الضابط معمر القذافي نحواً من أربع وثلاثين سنة..
فماذا كان حصاد هذه السنوات؟ وماذا كانت المحصّلة النهائية للسياسات والمواقف والممارسات التي انتهجها هذا النظام على امتداد هذه السنوات؟!

قبل أن ننطلق في البحث عن إجابة لهذا السؤال، نرى ضرورة تنبيه القارئ إلى جملة من الحقائق ذات الصلة وهي:

* أنّ ليبيا لم تتعرّض على امتداد هذه السنوات لأيّة كوارث أو نوازل طبيعية.

*وأنّ عدد سكان ليبيا ظلّ في حالة نموّ طبيعي إلى أن بلغ في نهاية هذه الحقبة نحو (5) ملايين نسمة.

* وأنّ جميع مقدّرات وثروات ليبيا وإمكاناتها ظلّت تحت تصرّف هذا النظام، وكان في مقدّمتها عائداتها النفطية التي جاوزت وحدها ما يربو عن (350) مليار دولار حسب أقلّ التقديرات.

ولنعد بعد هذا إلى السؤال الذي طرحناه..ماذا كان الحصاد النهائي والمحصلة الختامية لنهج النظام الانقلابي ولسياساته؟!

نحسب أنّ هناك إجماعاً بين الليبيّين في الداخل كما في الخارج، بل بين كثير من المحسوبين على النظام الانقلابي، بأنّ الشعب الليبي يعيش الآن وفي ظلّ هذا النظام حالة مأساوية كارثية. وهي حالة بدأت مع السنوات الأولى لهذا النظام وازدادت مع مضيّ السنوات سوءاً وتفاقماً. وهي حالة بلغت غاية البشاعة والزراية، كما أنّها غير مبرّرة بأيّ منطق لا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار ما كانت عليه أوضاع ليبيا من تقدّم وازدهار قبيل مجيء هذا النظام، وأخذنا في الاعتبار الحجم الهائل لثروات وعائدات ليبيا النفطية خلال هذه الحقبة، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً ما استطاعت دول أخرى أن تنجزه وأن تحقّقه خلال الحقبة ذاتها بإمكانات وثروات أقل وبثقل سكاني وأعباء أكبر.

من مظاهر هذه المأساة الكارثة التي تعيشها ليبيا:

أولاً: على الصعيد الداخلي

1- ألغى انقلابيو سبتمبر دستور البلاد الصادر في عام 1951 وأبقوها طوال هذه الحقبة بلا دستور ينظّم علاقة الحاكم بالمحكوم، ويقدّم الضمانات القانونية التي تكفل وتصون حرّيات المواطنين وحقوقهم الأساسية. وأبقوا البلاد بلا مؤسسات دستورية ثابتة تحدّد اختياراتها وترسم سياساتها وتقرّر مواقفها وفقاً لما يراه شعبها. وأصبحت شؤون البلاد كلّها رهن مزاج وهوى الانقلابيين.

2- ألغى انقلابيو سبتمبر الحياة البرلمانية التي عرفتها ليبيا، دون توقّف أو انقطاع، منذ حصولها على الاستقلال في عام 1951. واستبدل الانقلابيون مجلسي الشيوخ والنواب بهياكل هزيلة جوفاء كانت مهمّتها الأساسية تزييف إرادة الشعب الليبي.

3- اعتدى الانقلابيون على السلطة القضائية وهيمنوا عليها وأفقدوها كافّة مظاهر الاستقلالية والحيدة والنزاهة والعدالة.

4- فرض انقلابيو سبتمبر (الكتاب الأخضر) على الشعب الليبي وقنّنوا مقولاته السقيمة العقيمة. واستصدروا عدداً من القرارات والقوانين التي صادروا بموجبها حرّية العمل السياسي وألغوا كافة منابر التعبير الحر، وأمّموا الصحافة، وأخضعوا حركة المواطن الليبي لهذه المقولات ولجملة من المكبّلات والعوائق في شتى مجالات الحياة، ارتكست به إلى ما دون خطّ الآدمية.

5- أخضع انقلابيو سبتمبر هياكل الدولة ومؤسساتها الإدارية، وأجهزة التخطيط والرقابة والمحاسبة التي ورثوها عن العهد الملكي، لسلسلة متواصلة من التعديل والتبديل والفكّ وإعادة التركيب تحت شتى المسمّيات، الأمر الذي أدّى إلى إرباك عملها بل وشلّه وأدّى في النهاية بأجهزة الدولة كافّة إلى حالة من الفوضى الشاملة المتواصلة. كما أخضع انقلابيو سبتمبر العاملين بالدولة إلى جملة من الإجراءات والقرارات المربكة والمعاملات المذلّة المهينة وليس أقلّها الإبقاء على مرتّباتهم وأجورهم عند المستوى الذي كانت عليه في عام 1981، وتعمّد تأخير صرف هذه المرتبات والأجور (التي يفترض أن تكون شهرية) إلى ما يجاوز الستة أشهر في بعض الأحيان.

6- أخضع الانقلابيون البلاد لعمليات تجريب سياسي متواصلة أسهمت، مع ما تعرّضت له الأجهزة الإدارية من تعديلات مستمرّة، في إرباك مسيرة الدولة وبإهدار جزء كبير من وقت وجهد ثروتها البشرية فضلاً عن المادية.

7- أقام الانقلابيون (منظومة إرهاب داخلي) قوامها اللجان الثورية والأجهزة الأمنية والمحاكم الخاصّة والثورية واستصدروا لها القرارات ووفّروا لها الأموال وكافّة المستلزمات البشرية والمادية. ومارست هذه الأجهزة الإرهاب والقمع والفتك بالمواطنين الليبيين بشكل متواصل ومتعاظم، في الخفاء وفي العلن بعلم وبتعليمات الانقلابيين.

8- مارس انقلابيو سبتمبر عبر الأجهزة واللجان التي أقاموها وبموجب القرارات والقوانين التي استصدروها، استباحة كاملة لحقوق وحريات المواطنين، واعتدوا بشكل متواصل ومبرمج ومتعمّد على حرّياتهم وحتى على حياتهم. ولا بدّ في هذا الصدد من تسجيل وقوع الجرائم والانتهاكات التالية خلال هذه الحقبة:

* تعرّض ما لا يقلّ عن (30) ألف ليبي للاعتقال السياسي بأسلوب تعسّفي وغير قانوني.

* تعرّض عدد كبير من المعتقلين السياسيين لأبشع أنواع التعذيب النفسي والبدني ووفاة أعداد منهم تحت التعذيب.

* قيام النظام بقتل ما يزيد عن (500) مواطن ليبي إمّا عن طريق الاغتيال العلني أو تحت التعذيب أو بالإعدام السرّي أو العلني دون محاكمة أو عقب محاكمات صورية أمام محاكم خاصّة أو ثورية. هذا فضلاً عن ضحايا مجزرة (سجن أبي سليم) في عام 1996 الذين يقدّر عددهم بما يربو عن ألف قتيل. * اختفاء العشرات من المواطنين الليبيّين وغيرهم اختفاءً قسرياً في ليبيا، ومن أبرز حالات الاختفاء القسري من الليبيّين الشيخ أحمد البشتي والدكتور عمرو خليفة النامي وجاب الله حامد مطر وعزّات يوسف المقريف ومنصور رشيد الكيخيا.

9- فرض انقلابيو سبتمبر على البلاد سياسات اقتصادية فاشلة وعقيمة لا صلة لها بمعطيات الواقع الليبي، وتجاهلوا بشأنها أخذ آراء الخبراء والاختصاصيين. كما أقاموا مشروعات صناعية وزراعية فاشلة بتكاليف باهظة استنزفت ثروات البلاد المائية وأسهمت في إفلاس خزانتها، ولم تحقّق أيّ هدف من الأهداف المعلنة لها سواء في مجال تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تزويد البلاد بمصادر دخل بديلة للنفط. كما أهمل الانقلابيون الاهتمام بصيانة البنية الاقتصادية التحتية التي ورثوها عن العهد الملكي.

10- تعمّد انقلابيو سبتمبر إهمال الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية وشؤون البيئة بحجج وذرائع واهية. وقد ترتّب على هذا الإهمال أن أصبحت حياة الليبيّين معرّضة لشتى أنواع الأخطار كما تدنّت مستويات معيشتهم إلى مستويات الشعوب الفقيرة المعدمة التي لا تملك بلادها أيّة ثروات. ولا بدّ من التأكيد على أنّ الانقلابيين قاموا عن عمد بانتهاج سياسة تعليمية فرضت على الناس الجهل وبلغت بالتعليم أحطّ مستوياته.

11- أنفق الانقلابيون ما لا يقلّ عن %40 من عائدات ليبيا النفطية على شراء السلاح وتكديسه وعلى الإنفاق العسكري. وتجمع التقارير على أنّ (العبء العسكري) في ليبيا في ظلّ النظام الانقلابي بلغ خلال الثمانينات ضعف المعدل العالمي. وفضلاً عن أنّ هذا الإنفاق لم يكن مبرّراً بأيّة حسابات أمنية أو استراتيجية وطنية أو حتى قومية، فقد كان على حساب خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا خلال هذه الحقبة، كما أنّه أغرى الانقلابيين بالإقدام على مغامراتهم وتدخلاتهم العسكرية في شؤون شتى الدول الأفريقية والعربية بكلّ نتائجها المأساوية. ومن المعروف أنّ الجزء الأكبر من هذا السلاح قد أكله الصدأ والبلى.

12- استخدم الانقلابيون جملة من السياسات، ومنذ مرحلة مبكّرة، استهدفت إفساد المؤسسة العسكرية وإلهاءها عن مهامها المعروفة، وفي النهاية تدميرها.

13- شجّعت السياسات التي انتهجها الانقلابيون وبخاصّة فيما يتعلّق بتعطيل دور أجهزة المحاسبة والرقابة المالية والإدارية على استباحة المال العام وانتشار الفساد المالي على أوسع نطاق. وقد مارس انقلابيو سبتمبر وأبناؤهم وأقاربهم عملية سطو ونهب سافرة لأموال الدولة بل ولأموال المواطنين الخاصّة.

14- السياسات التي انتهجها الانقلابيون على انتشار الفاحشة والرذيلة وشيوع التفسّخ الاجتماعي والانحلال الأخلاقي وانتشار الجريمة والمخدرات.

هذه هي أهم ملامح الكارثة التي أصابت ليبيا وشعبها على امتداد الأربع والثلاثين سنة الماضية جرّاء سياسات النظام الانقلابي وممارساته.. ولا نحسب أنّ هناك من يحجم أو يتردّد في وصف هذه الكارثة بالجريمة.. فهي ليست مجرّد أخطاء أو تجاوزات.. إنّها جريمة بل هي رزنامة جرائم.

ماذا كان شعبنا وأمّتنا يتوقعان من النظام الانقلابي أن يقوم به وطنياً وعلى كافة الأصعدة الخارجية عربياً وإسلامياً وعالمياً، أخذاً في الاعتبار إمكانات ليبيا وثرواتها، وفي ضوء الميراث الطيّب من العلاقات الخارجية الحسنة التي خلّفها العهد الملكي؟ العقل والمنطق والمعطيات كلّها؛ المحلية والقومية والدولية، كانت توجب على النظام الانقلابي:

* أن يوظّف إمكانات ليبيا الهائلة ابتداءً من أجل خير شعبها كلّ شعبها، ومن أجل رفاهيته وتطويره وتنميته، ثمّ من أجل خير جيرانها وأمّتها وقارّتها.

* أن يقيم أوثق علاقات التعاون والتبادل والتضامن عربياً وإفريقياً وإسلامياً وعالمياً بما يخدم:

- قضايا التحرّر والوحدة والتكامل والنهضة عربياً.

- قضايا التنمية والتحرّر والتضامن إفريقياً وإسلامياً.

- قضايا السلم والتعاون والتبادل الثقافي والتجاري والتقني عالمياً.

غير أنّ رأس النظام الانقلابي الضابط معمر القذافي فاجأ الليبيّين (بمن فيهم زملاؤه من أعضاء مجلس قيادة الانقلاب) وفاجأ العرب وسواهم بأنّه يعتبر نفسه:

* وريث الناصرية وأمين القومية العربية.
* أنّه مفكّر أممي وصاحب نظرية تملك حلّ كافّة مشاكل البشرية وإنقاذ العالم أجمع.

* أنه الوصيّ على الثورة العالمية، وأنّه يملك الحقّ في تصدير الثورة إلى شتى أنحاء الكرة الأرضية، وأنّه المكلّف بتثوير العالم.

ولم يكتفِ النظام الانقلابي بأقوال الضابط القذافي فسارع إلى اتّخاذ كافّة الإجراءات والخطوات التي من شأنها توظيف ثروات ليبيا وإمكاناتها وعلاقاتها من أجل خدمة هذه الأوهام والادّعاءات.

فتمّ ترجمة (الكتيّب الأخضر) إلى كافّة لغات الدنيا وطبعه وتوزيعه مجاناً على حساب خزانة الشعب الليبي، كما أقيمت عشرات الندوات والملتقيات المدفوعة الثمن من أموال الشعب الليبي، كما جرى فتح كافّة منافذ ليبيا الجوية والبرية لاستقبال شتى أنواع المرتزقة من كلّ مكان، مرتزقة الكلمة ومرتزقة السلاح ومن هم على شاكلتهم، كما تمّت استضافة ورعاية شتى الحركات والجماعات والهيئات التحرّرية وغير التحرّرية من كلّ أصقاع العالم وأجناسه، وفُتحت معسكرات التدريب العسكري لهؤلاء الوافدين في كثير من أرجاء التراب الليبي، تمّ تكديس مختلف أنواع السلاح والذخيرة والألغام من شتى المصادر الغربية والشرقية كما جرى إقامة مصانع لإنتاج المتفجرات والمواد المفخخة بإشراف عملاء المخابرات المركزية السابقين وغيرهم، شرع النظام منذ مرحلة مبكّرة في بذل المساعي من أجل اقتناء قنبلة ذرّية (ولو صغيرة) ثمّ شرع فيما بعد في اتّخاذ الخطوات لاقتناء وإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

وفضلاً عن ذلك فقد تمّ إعادة تنظيم أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والدبلوماسية وأعيد النظر في أولوياتها وأهدافها بما يخدم هذه الأوهام، كما وضعت الترتيبات التي تكفل تمويل هذه النشاطات من الخزانة الليبية دون تقتير أو تعطيل ودون أيّ رقابة أو محاسبة.

وقد أورد الرائد عبد السلام جلود في خطاب ألقاه بمدينة سرت خلال ما عُرف بعيد الوفاء الذي أقيم في الذكرى العشرين للانقلاب أنّ النظام أنفق منذ قيام الانقلاب وحتى ذلك التاريخ ما نسبته 22% من عائدات ليبيا النفطية (أي نحو 44 مليار دولار) على تمويل ودعم ومساندة حركة الثورة العالمية وحركات التحرر.

غير أن الضابط القذافي لم يكن سعيداً بإنفاق هذا المبلغ فقط على حركات التحرّر. لقد بدا هذا المبلغ الضخم زهيداً في نظره.. فقال وبالحرف الواحد خلال اللقاء الذي أجرته معه إذاعة لندن ال(بي. بي. سي. البريطانية) خلال الذكرى نفسها، ونشرته صحيفة (الزحف الأخضر) الرسمية في عددها الصادر يوم 25-9-1989 ما نصّه:

(إنّنا نتأسف لأننا لم ننفق ثروتنا كما ينبغي.. كان يجب أن ننفق حتى على حساب الصناعة والزراعة الليبية.. على حركات التحرّر في العالم.. إنّني متأسف جداً لأنّني لم أنفق المليارات على حركات التحرّر.. وهذا خطأ.. إذ كان يجب أن ننفق ثروتنا على هذه الحركات حتى يهزم الاستعمار والصهيونية في كل مكان).

لقد انتهج النظام الانقلابي في ظلّ هذه الأوهام التي استبدت برأس الضابط القذافي تجاه جيران ليبيا وأشقائها ومع بقية دول العالم، سياسات عدوانية نزقة، قلقة ومتقلّبة..

* تبدأ بالبذاءة الكلامية التي لا تعرف الحدود.

* وتمرّ بتسفيه الاختيارات السياسية والإيديولوجية لها جميعاً..

* وتصل إلى حدّ العدوان والتآمر السافر على بعضها وبالحروب مع بعضها..

* وتنتهي إلى القطيعة السياسية والدبلوماسية مع معظمها.

أما تأجيج الفتن الداخلية والحروب الأهلية والإقليمية ورعاية وتمويل الإرهاب الدولي وجماعاته فقد ظلت هواية القذافي ولعبته المفضلة. ويتّضح من مطالعة الدراسات والتقارير المتعلقة بسياسات النظام الانقلابي وممارساته وعلاقاته الخارجية (حتى عام 1989):

(أ) أنّ العمليات التخريبية والإرهابية التي قام بها عملاء النظام الانقلابي شملت أكثر من (40) دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأوروبية وغيرها.

وقد بلغ عدد هذه العمليات نحو (127) عملية:

- منها (30) محاولة انقلاب فاشلة.

- ومنها (83) حالة تدخّل وتخريب.

- ومنها (14) محاولة اغتيال فردية وجماعية.

(ب) أنّ الدول العربية تليها دول القارّة الإفريقية كانت الأشدّ تضرّراً كمّاً ونوعاً من جرّاء عمليات النظام الإرهابية - التخريبية، فكانت هناك:

- (15) محاولة انقلاب فاشلة.

- (44) حالة تدخّل وتخريب.

- (11) محاولة اغتيال فاشلة.

(ج) أنّ النظام الانقلابي تعاون عبر أجهزته الأمنية وما يعرف بالمثابة العالمية، تعاون مع ومدّ يدّ المساعدة والدعم لأكثر من (30) جماعة وحركة إرهابية في العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كما مدّ يد الدعم لبعض الجماعات المتناحرة والمتصارعة في البلد الواحد ذاته.

(د) أنّ أجهزة النظام الانقلابي قامت بتجنيد وتدريب وتجهيز وتمويل أكثر من (15) خمسة عشر ألفاً من المرتزقة الأفارقة والعرب والأوروبيين وغيرهم كما أقام النظام لهذا الغرض أكثر من ثلاثين معسكراً انتشرت في شتى أرجاء ليبيا.

وفي حمأة هذا النشاط العدواني الإرهابي التخريبي المتفلّت الذي مارسه النظام الانقلابي وأجهزته وعملاؤه:

- جرى الاتصال والتعاون بينه وبين كارلوس وأضرابه وأبي نضال وجماعته.

- دخل النظام حروبه مع مصر عام 1977 ومع تشاد على امتداد السنوات 1980-1987.

- وتدخّل في الحرب الأوغندية عام 1979 والحرب الأهلية في لبنان منذ العام 1975 وكذلك الحرب الأهلية في جنوب السودان في السبعينات وحرب الخليج الأولى منذ منتصف الثمانينات، كما أسهم في إشعال نار الحرب في الصحراء الغربية منذ منتصف السبعينات وكذلك في الصومال.

- وسعى لاغتيال عدد من الرؤساء والقادة العرب، ياسر عرفات والملك حسين وأنور السادات، كما نفّذ جريمة اختطاف وتغييب الإمام الجليل موسى الصدر ورفيقيه في أغسطس - آب من عام 1978.

- كما نفّذ عملاء النظام العدوان الدموي الغادر على مدينة قفصة التونسية في مطلع عام 1980، كما نفّذوا أكثر من اعتداء على حدود السودان الغربية منذ العام 1976م.

وفي حمأة هذا النشاط العدواني الإرهابي الذي مارسه النظام الانقلابي:

- قام عملاء النظام الانقلابي خلال عام 1984 بزرع ألغام بالبحر الأحمر وخليج السويس الأمر الذي أدّى إلى إعطاب نحو (20) سفينة أثناء مرورها بهذه المنطقة خلال شهري يولية وأغسطس (تموز وآب) من العام نفسه.
- قام عملاء النظام بشحن كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات على طائرات الحجيج الليبي خلال موسم الحج 1984 وكانت المتفجرات معدَّة للسيطرة على الأماكن المقدسة بالقوة.
- قام عملاء النظام الانقلابي في عام 1985 بإرسال نحو مائة (100) طرد ورسالة ملغومة إلى (34) صحفياً و(70) شخصية سياسية في تونس.

- قام عملاء النظام الانقلابي في أواخر عام 1985 بتنفيذ هجومين إرهابيين على مطاري روما والنمسا أدّيا إلى سقوط عدد من الضحايا قتلى وجرحى.

- قام عملاء النظام الانقلابي في أبريل - نيسان 1986 بتفجير ملهى (لابيل) الليلي ببرلين الغربية ممّا أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح أكثر من (150) شخصاً من روّاد الملهى.

- قام عملاء النظام الانقلابي في 21 ديسمبر - كانون الأول 1988 بتفجير طائرة الركاب الأمريكية (بان آم) فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية ممّا أسفر عن مقتل (259) راكباً وملاحاً و(11) مواطناً اسكتلندياً على الأرض.

- قام عملاء النظام الانقلابي في 19 من سبتمبر 1989 بتفجير طائرة الركاب الفرنسية (يو. تي. أي) الرحلة (722) فوق سماء النيجر ممّا أدّى إلى مقتل جميع ركابها وملاحيها البالغ عددهم (171) شخصاً.

وفضلاً عن الثمن الفادح الذي جرّته سياسات النظام الانقلابي الخارجية على الشعب الليبي وأرواح أبنائه وعلى خزانته وعلى سمعته وشرفه ومستقبل علاقاته وعلى بقية الشعوب الأخرى التي استهدفت بهذه السياسات، فقد كان من نتائجها الوخيمة أيضاً:

1- قيام قرابة (50) دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأوروبية فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية بقطع أو تجميد علاقاتها الدبلوماسية مع النظام الانقلابي.

2- رفض منظمة الوحدة الإفريقية أكثر من مرّة (في مطلع الثمانينات) الموافقة على استضافة النظام الانقلابي قمّتها السنوية في طرابلس أو أن يترأسّ الضابط القذافي المنظمة.

3- رفض الدول العربية عقد أيّة قمّة عربية في طرابلس رغم استجداء النظام الانقلابي لهذا الأمر أكثر من مرّة (وحتى بعد أن تعرّضت ليبيا للغارة الأمريكية في منتصف أبريل - نيسان 1986).

4- قيام عدد من الدول العربية والإفريقية بتقديم شكاوى رسمية ضدّ النظام الانقلابي وسياساته العدوانية وصدور إدانات بحقّه من قبل عدّة محافل وهيئات إقليمية ودولية.

5- وقوع حروب واشتباكات مسلّحة بين النظام الانقلابي وعدد من دول الجوار (مصر، تشاد) كما وصلت العلاقة بين النظام وبين عدد من دول الجوار الأخرى إلى حدّ التهديد بالحرب والصراع المسلّح (تونس، السودان، النيجر، الجزائر).

6- تعرّض الشعب الليبي لعدد من العمليات العسكرية والغارات من الخارج كردّ فعل لممارسات النظام الإرهابية الخارجية (الغارات الأمريكية على سرت وطرابلس وبنغازي في مارس وأبريل 1986).

7- إخضاع النظام الانقلابي منذ مطلع عام 1986 للمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية المحدودة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ومجموعة الدول الأوروبية.

8- فرض عقوبات دولية من قبل الأمم المتحدة على النظام الانقلابي منذ أبريل 1992 بسبب تورّطه في حادثي تفجير طائرتي (بان آم) و(يو. تي. إي).

9- ولعلّ أخطر هذه النتائج الوخيمة على الشعب الليبي ارتهان اقتصاده وثروته لسنوات قادمة لسداد استحقاقات النشاط الإرهابي التخريبي الذي مارسه النظام الانقلابي وعملاؤه عبر السنوات الماضية.

هذه الجرائم.. مسؤولية من؟

لا نحسب عاقلاً يتردّد في القول بأنّ ليبيا اليوم وبعد (34) عاماً من حكم الانقلابيين تعيش وضعاً مأوساوياً كارثياً، حيث تمثّلت المحصّلة النهائية لهذه التوجّهات والسياسات والممارسات:

- في إذلال المواطن الليبي، رجلاً وامرأة، كبيراً وصغيراً، وبقهره وامتهانه وحرمانه حتى من أبسط حقوقه الآدمية والإنسانية فضلاً عن ثروات وخيرات بلاده.

- وفي استنزاف وتبديد ثروة الشعب الليبي النفطية وبقية ثرواته الطبيعية، ونهب أموال خزانته العامة وأرصدتها.
- وفي تشويه صورة المواطن الليبي ودولته، عربياً وإفريقياً وعالمياً، والإساءة البالغة إلى علاقاته بأشقائه وجيرانه وبالمجتمع الدولي بصفة عامّة.

- وفي تفويت فرصة العقود الثلاثة الماضية على الشعب الليبي والحيلولة بينه وبين توظيف كافّة إمكاناته وطاقاته المادية والبشرية من أجل بناء النهضة وتحقيق التقدّم له ولأجياله القادمة.

- وفي ارتهان ثروات ليبيا وخيراتها على امتداد سنوات قادمة لأداء الاستحقاقات ودفع التعويضات عن الجرائم التي ارتكبها النظام الانقلابي إزاء العديد من الأطراف.

إنّنا لا نتصوّر وجود أحد يتردّد في وصف ما ارتكبه النظام الانقلابي بحقّ ليبيا ودولتها ومجتمعها وإنسانها وأجيالها القادمة بالجريمة.. بل برزنامة الجرائم..

إنّ ما وقع خلال هذه السنوات الماضية ليس مجرّد أخطاء عارضة.. أو تجاوزات محدودة.. أو نزوات شاذّة غير متكرّرة.. إنّها جرائم مبرمجة مقصودة مع سبق الإصرار والترصّد.

إنّ ليبيا اليوم وبعد أربعة وثلاثين عاماً من تسلّط النظام الانقلابي على حكمها ومقاليد الأمور فيها:

* أضعف ممّا كانت

* وأعجز ممّا كانت

* وأفقر ممّا كانت..

لقد دفع انقلابيو سبتمبر بليبيا..

- في طريق الأزمات السياسية والعزلة الدولية.

- وفي طريق الهزائم العسكرية.

- وفي طريق الخصومات العنيفة والقطيعة مع جيرانها وأشقائها..

- وفي طريق الإفلاس والفساد المالي والإداري.

- وفي طريق الخراب الاقتصادي المصحوب بانحلال أخلاقي وانهيار اجتماعي سوف تقاسي ليبيا آثاره أجيالاً عديدة.

تلك هي الجريمة أو الجرائم التي اقترفها انقلابيو سبتمبر بحقِّ ليبيا..

ولكن هل يكفي أن نقول بأنّ هذا هو ما حدث في ليبيا منذ الأول من سبتمبر من عام 1969؟ أم ينبغي علينا أن نحدّد المسؤول عن هذه الجرائم؟

في اعتقادي أنّ مسألة تحديد المسؤول عن هذه الجرائم هي من أوجب الواجبات علينا نحن الليبيّين في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ قضيتنا وقضية بلادنا.. وهي المسألة المفصلية الحاسمة لفرز الصفوف الوطنية ولإمكان بلوغ مخرج وحلّ لقضية بلادنا مع هذا النظام يحقّق أماني وتطلّعات شعبنا الحقيقية والعادلة في الحرّية والعدالة وبناء دولة الاستقلال الثانية.

إنّه من السهل أن نجد الكثيرين من الليبيّين، حتى من بين عناصر النظام الانقلابي بل القذافي نفسه وسيفه، يتحدّثون عن الأخطاء والتجاوزات والانتهاكات وبعض جوانب الواقع الأسيف الذي تحياه ليبيا، ولكن قلّة من هؤلاء هي وحدها التي تصرّ على ضرورة تحديد المسؤول الحقيقي عن هذا الواقع وعن المآل الذي آلت إليه أحوال بلادنا..

فمن هو المسؤول عن هذه الجرائم التي ارتكبت في ظلِّ النظام الانقلابي؟!

هذا سؤال يفرض نفسه.. ولا بدّ من الإجابة عليه..

وإنّ عدم البحث عن إجابة له هو نوع من العبث وانعدام شعور بالمسؤولية.. بل هو في حدّ ذاته جريمة..

- من هو المسؤول عن كافّة المظالم والانتهاكات التي وقعت على امتداد الأربعة وثلاثين عاماً الماضية؟

- ومن هو المسؤول عن الإزهاق الذي تعرّضت له أرواح الآلاف من الليبيّين في الحروب وعلى أعواد المشانق وداخل السجون والمعتقلات خلال هذه الحقبة؟

- ومن هو المسؤول عن هذا الإهدار المتعمّد لطاقات الليبيّين وجهودهم وثرواتهم والاستباحة لأعراضهم ودمائهم وكافّة حرماتهم؟

- ومن هو المسؤول عن هذا الإنفاق السفيه لأموال بلادهم وهذا السطو والنهب لأرصدتها وعائداتها؟

- ومن هو المسؤول عن هذا الاستنزاف الجائر لسائر ثروات ليبيا الطبيعة، وعن التلويث المتعمّد لبيئتها؟

- ومن هو المسؤول عن هذا الترويع والإرهاب والعسف والقمع والبطش والفتك الذي تعرّض له الليبيّون دون استثناء على امتداد هذه الحقبة؟

- ومن هو المسؤول عن هذا الحرمان والتجويع والتجهيل والتعريض لسائر الأمراض والأخطار التي مورست بحقّ الإنسان في ليبيا، طفلاً وامرأة ورجلاً، على امتداد هذه الأعوام الأربعة والثلاثين؟.

هذا سؤال ينبغي على كلّ ليبي يؤمن بقضية بلاده أن يطرحه على نفسه وعلى كلّ من يتصدّى للحديث أو البحث في شأن القضية الليبية في هذه الآونة العصيبة من تاريخ بلادنا.. وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه المقالة.

فمن هو المسؤول؟

لقد تعمّدنا خلال ما سلف استعمال عبارتي (النظام الانقلابي) و(انقلابيو سبتمبر) وذلك من باب الموضوعية وحتى لا نتَّهم من قبل القارئ في تلك المرحلة المبكّرة من البحث باستهداف شخص بعينه من هذا النظام أو من هؤلاء الانقلابيين.

وكما هو معروف فإنّ (النظام الانقلابي) كيان مركّب يضمّ جهات وأجهزة وشخصيات ورموز عديدة.. فهو يضمّ:

* من بقي من مجلس قيادة الثورة ورئيسهم الضابط معمر القذافي.

* وحركة الضباط الوحدويين الأحرار.

* وتنظيم اللجان الثورية.

* وأجهزة الأمن والمخابرات بمسمّياتها المختلفة.
كما يضمّ هذا الكيان المركّب:

* ما يسمَّى بالمؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية ومؤتمر الشعب العام وما يعرف بمختلف الفعاليات..

* ومجموعة البيروقراطيين والإداريين الفنيين من وزراء ومن دونهم الذين استعان النظام بهم.

* وأبناء القذافي وأقاربه وعدد من أبناء قبيلته.

* وأيضاً بعض أقارب من بقي من أعضاء مجلس قيادة الثورة وبعض أفراد عائلاتهم وقبائلهم والقبائل الأخرى.

وأحسب أنّه لا يوجد شكّ في أنّ (النظام الانقلابي) الذي أقامه انقلابيو سبتمبر -في عمومه- هو المسؤول عن كلّ المظالم والشرور والجرائم التي أتينا على ذكرها.

ولكن هل حصّة ودرجة مسؤولية كلّ فئة من هذه الفئات وكلّ فرد داخل كلّ فئة فيها هي واحدة ومتساوية؟!

وإذا كنّا نؤكّد على استهجاننا واستهجان كلّ ليبي بل كلّ إنسان ذي ضمير لأيّ عمل إجرامي سواء أكان صغيراً أم كبيراً بصرف النظر عن مرتكبه، إلا أنّ العدل والإنصاف يوجبان علينا التمييز بين مختلف عناصر هذه الفئات المختلفة من حيث درجة مسؤوليتهم، وحصّتهم ونصيبهم في هذه المسؤولية.. وذلك من منطلق منطقي وقانوني بسيط مفاده أنَّ مسؤولية (المتبوع) أكبر من مسؤولية (التابع) ومسؤولية (الرئيس) أكبر من مسؤولية (المرؤوس) رغم اشتراك الجميع في المسؤولية وخضوعهم للمساءلة.

كيف استفرد القذافي بالسلطة والمراحل التي مهد لها؟!
محاكمة القذافي و أعوانه حق مشروع للشعب الليبي
مسؤولية أزلام النظام الليبي ومشاركتهم في جرائم العقيد
مشاركة الوزراء في مشاريع القذافي رغم علمهم بفسادها
فوضى اللجان إنعكاس طبيعي للتركيبة الفوضوية لشخصية القذافي
إعادة ليبيا إلى وضعها الطبيعي يفرض التخلص من القذافي ورموز نظامه
الصلاحيات الثورية للقذافي اطلقت يديه في كل الشؤون الليبية .. وهو مسؤول عما وصل إليه الوضع



درجات من المسؤولية !

لا يوجد شك في أنّ (النظام الانقلابي) بمجموعه يُعتبر مسؤولاً بشكل مجمل عن هذه الجرائم والأوضاع المأساوية.

كما أشرنا إلى أنّ (النظام الانقلابي) يضمّ فئات كثيرة وعناصر متعدّدة تتفاوت في المكانة وفي الصلاحيات ومن ثمّ فهي تتفاوت في حصّتها ونصيبها من المسؤولية عن هذه الجرائم والاقترافات أخذاً بقاعدة أنّ مسؤولية (الرئيس) هي أكبر من مسؤولية (المرؤوس) وأنّ مسؤولية (المتبوع) هي أكبر من مسؤولية (التابع).

استفراد القذافي بالسلطة من المهمّ جداً، قبل الخوض في بحث مدى ودرجة مسؤولية كلّ فئة من الفئات التي يتكوّن منها النظام الانقلابي عن الجرائم والانتهاكات التي وقعت بحقّ ليبيا وشعبها منذ الأول من سبتمبر من عام 1969، أن نثّبت مجموعة من الحقائق المهمّة التي تتعلّق بالسلطات والصلاحيات الثورية والسياسية والعسكرية التي ظلّ الضابط معمر القذافي يتمتّع بها ويمارسها في ظلّ هذا النظام على امتداد الأربع وثلاثين سنة الماضية، ذلك أنّ هذه الصلاحيات والسلطات هي التي سوف تحدّد درجة مسؤوليته.

وسنقسم هذه الحقبة إلى مرحلتين:

الأولى: وهي التي بدأت مع وقوع الانقلاب في 1-9-1969 وحتى قيام ما أطلق عليه (سلطة الشعب) و(الجماهيرية) و(النظام الجماهيري) في 2-3-1977م.

الثانية: وهي التي بدأت منذ 2-3- 1977م وحتى يومنا هذا وإلى أن يسقط هذا النظام. وسنعرض لكلّ مرحلة منهما بالتفصيل.

المرحلة الأولى: منذ قيام الانقلاب وحتى 2-3-1977م ظلّ القذافي على امتداد هذه المرحلة يتقلّد المناصب التالية:

1 - رئيس مجلس قيادة الثورة.
2- قائد عام القوات المسلحة الليبية (وفيما بعد قائد أعلى).

3- وزير الدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي.

4- رئيس مجلس القضاء الأعلى.

5- رئيس مجلس التخطيط الأعلى.

6- رئيس المجلس الأعلى للإرشاد القومي.

7- رئيس التنظيم السياسي الوحيد المتمثّل في الاتحاد الاشتراكي العربي ومؤتمره الوطني (ثمّ القومي) العام.


وفضلاً عن ذلك، فقد شغل القذافي منصب رئيس الوزراء خلال الفترة من 13-9-1970م وحتى 6 أبريل 1972م.

وعلى الرغم من أنّ (مجلس قيادة الثورة) كان وفقاً لمقتضى المادة (18) من الإعلان الدستوري، الذي جرى نشره في11-12-1969م، هو (.. أعلى سلطة في الجمهورية العربية الليبية ويباشر أعمال السيادة العليا والتشريع ووضع السياسة العامة للدولة نيابة عن الشعب.. ( إلا أنّ الوقائع تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ العقيد القذافي سعى ونجح بالفعل في (الاستفراد الكامل) بالسلطة دون بقية رفاقه الأحد عشر في المجلس بحيث تحوّل هذا المجلس إلى مجرّد هيكل وواجهة استخدمها القذافي كغطاء لاستبداده ولكافّة تصرّفاته وممارساته.

ولم تأتِ نهاية هذه المرحلة حتى كان القذافي قد تخلّص من سبعة أعضاء من المجلس فأصبح يقتصر على أربعة فقط خامسهم القذافي.

- فتخلّص من النقيب محمد أبو بكر المقريف بالقتل في 21-8-1972م.

- وتخلّص من الرائد مختار القروي والرائد محمد نجم بدفعهما لتقديم استقالتيهما في عامي 1972 و1973 بعد أن نفد صبرهما في تحمّل إهانات القذافي وسبابه المتواصل لهما.

- كما تخلّص من الروّاد بشير الصغير هوادي وعوض حمزة وعبد المنعم الهوني وعمر عبد الله المحيشي بعد اتّهامهم بالتورّط في محاولة الانقلاب العسكري التي جرى الكشف عنها في منتصف شهر أغسطس من عام 1975م.

وقد شهدت هذه الحقبة أيضاً في إطار استفراد القذافي بالسلطة دون (مجلس قيادة الثورة) والباقين من أعضائه:

* إعلان القذافي في 15-4-1973م قيام ما أسماه (الثورة الشعبية) والتي لم تكن في الحقيقة سوى التفاف منه على مطالبة عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة له بإعلان دستور وإجراء انتخابات عامة وإعادة الحياة البرلمانية والسماح بحرية الصحافة.

* شروع القذافي - حسب زعمه - في تأليف (الكتاب الأخضر) الذي صدر الجزء الأول منه في 3-1-1976م ، ويتناول ما أطلق عليه (مشكلة الديمقراطية - سلطة الشعب)، وأصبحت مقولات هذا الكتيّب منذئذ المرجعية السياسية لنظام الحكم في البلاد.

* شرع القذافي منذ عام 1976 في تأسيس تشكيلات (حركة اللجان الثورية) وهي فكرة استأثر القذافي دون أعضاء المجلس بها، وهو الذي حدّد أهداف هذه الحركة ووضع شروط عضويتها كما أشرف شخصياً على اختيار أعضائها.

* شرع القذافي منذ فترة مبكّرة في هذه المرحلة من تقريب عدد من أبناء قبيلته في الجيش والشرطة (خليفة احنيش، مسعود عبد الحفيظ، حسن اشكال، الأخَوان سيد وأحمد قذاف الدم) وإعطائهم صلاحيات تفوق رتبهم ومراكزهم كما قام بتأليبهم على أعضاء مجلس قيادة الثورة وبقية ضباط الجيش.

المرحلة الثانية: منذ 2 مارس 1977 ظاهر الأمر أنّ العقيد القذافي سلّم في الثاني من مارس 1977السلطة للشعب الليبي بإعلان (الجماهيرية) وقيام (النظام الجماهيري) المتمثّل في اللجان والمؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب.

غير أنّ الوقائع تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الهياكل لم تكن سوى (واجهة) جديدة حكَم القذافي من خلالها البلاد حكماً فردياً مطلقاً مع الاستعداد الدائم لديه بتحميل هذه الهياكل/الواجهة المسؤولية عن تصرّفاته وممارساته كافّة.

1- فظلّ (الكتيّب الأخضر)بأجزائه الثلاثة (حيث صدر الجزءان الثاني والثالث تباعاً خلال عامي1977، 1978) المرجعية الفكرية لنظام الحكم ولسياسات البلاد الاقتصادية والاجتماعية. كما فرض تدريسه في المدارس والمعاهد والجامعات، وتمّ تقنين مقولاته، وجرت مصادرة أي فكر يعارضه.

2- وفي مارس 1979 تمّ حلّ مجلس قيادة الثورة وإعفاء الأربعة الباقين من أعضائه من جميع صلاحياتهم ومسؤولياتهم.

3- استبقى القذافي لنفسه علانيةً منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية وبالتالي فقد مارس صلاحياته بشأن هذه القوات بصفة فردية مطلقة وبلغ به الأمر حدَّ إصدار أحد القوانين المتعلّقة بها بهذه الصفة.

4-استبقى القذافي لنفسه ما أطلق عليه (الصلاحيات الثورية) واستأثر لنفسه وحده بحقّ ممارساتها وتفسير مدلولها وبيان حدودها.

وفي 11-3-1990م استصدر القذافي من مؤتمر الشعب العام ما أطلق عليه (وثيقة الشرعية الثورية) التي حصرت تلك الشرعية في شخص القذافي وجعلت مجرّد توجّهاته وملاحظاته ملزمة التنفيذ من قبل هياكل النظام كافّة.

5- في نطاق ممارسة القذافي ل(صلاحياته الثورية) أعطى القذافي لنفسه، دون غيره، حقَّ ممارسة (التوجيه الثوري) و(الترشيد الثوري) للجان والمؤتمرات الشعبية ولمؤتمر الشعب العام. وهو (حقّ) استحدثه القذافي واختلقه من عنده وأعطى لنفسه - دون غيره - صلاحية تفسيره كيفما عنّ له.

6- أعطى القذافي، بموجب فهمه لصلاحياته الثورية، الحقَّ (للّجان الثورية) في ممارسة ما أطلق عليه (التحريض الثوري) وهو ما يعني باختصار تدخّل عناصر هذه اللجان بكلّ الأساليب في توجيه وتسيير أعمال اللجان والمؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب العام، عند مستوياتها التفصيلية والدنيا، بما يضمن أن تسير نقاشاتها وقراراتها وتوصياتها وفق ما ينسجم ويتّفق مع توجيهات (القائد القذافي) وترشيده.

7- ترتّب على فهم القذافي الخاص لصلاحياته الثورية وطريقة ممارسته لهذه الصلاحيات إزاء هياكل (سلطة الشعب) و(النظام الجماهيري) أن أصبحت هذه الهياكل مجرّد (واجهة) (كما كان مجلس قيادة الثورة من قبل) لتمرير وفرض وتقنين ما يراه ويختاره القذافي في كافّة شؤون ليبيا الداخلية والخارجية.

* فالقذافي هو الذي يقرّر متى تُدعى المؤتمرات الشعبية للانعقاد.. ولم يحدث أن انعقدت هذه المؤتمرات - أو جزء منها - بمبادرة ذاتية.

*والقذافي هو الذي يحدّد شخصياً جدول أعمال المؤتمرات والقضايا والموضوعات التي تبحثها وتناقشها هذه المؤتمرات كما يتحكّم، عبر عناصر لجانه الثورية، في الحدود التي يجب أن تتوقّف عندها المناقشات والمداولات، ولم يحدث إطلاقاً أن فرضت هذه المؤتمرات مناقشة موضوع لم يكن مقرّراً مسبقاً من قبل القذافي.

* كما حرص القذافي، في مستهلّ كلّ دعوة لهذه المؤتمرات إلى الانعقاد، على إلقاء خطاب مطوّل يستعرض فيه جدول الأعمال المزمع والمقصود من كلّ فقرة فيه وفقاً لوجهة نظره التي تأخذ على الدوام طابعاً قطعياً.

ولم يحدث أن خرجت توصيات ومقرّرات المؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب العام عن (توجيهات) و(أوامر) القذافي إلا في حالات نادرة جداً كانت توجيهات القذافي قد اقتربت فيها إلى حدّ الجنون كما حدث عندما طالب بتطبيق نظام (المقايضة) في المعاملات التجارية والاقتصادية.

8- لم يتردّد القذافي في مناسبات عديدة عبر هذه الحقبة منذ مارس 1977 في تجاهل هذه الهياكل بشكل كلّي وسافر كلّما اقتضت مصلحته الخاصّة ذلك.

ولعلّ أحدث حالتين صارختين في هذا الشأن قيامه بدفع التعويضات المالية الهائلة عن حادثتي الطائرتين الفرنسية والأمريكية وإعلانه إلغاء برنامج تطوير الأسلحة النووية في ليبيا وهو البرنامج الذي لم توافق عليه هذه الهياكل أصلاً.

9- شهدت الفترة منذ مايو 1993 انزواء الرائد عبد السلام جلود الذي كان يوصف بالرجل الثاني في النظام الانقلابي ولم يعد يمارس أيّة صلاحيات.
ومن جهة أخرى، فقد اقتصر دور الثلاثة الآخرين الباقين في مجلس قيادة الثورة (أو ما أصبح يُعرف بالقيادة التاريخية) على أعمال تشريفية كاستقبال وتوديع الضيوف أو حمل رسائل إلى رؤساء الدول الأخرى.

10- شهدت الفترة منذ بداية التسعينات بروز أبناء القذافي على مسرح الأحداث في ليبيا. ولئن اتّسمت تصرّفاتهم في مرحلة مبكّرة بالنزق والعربدة والاعتداء على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم.. ثمّ في مرحلة تالية بالانغماس في نهب ثروات البلاد وخيراتها واحتكار الكثير من المشروعات والأعمال والنشاطات المالية والتجارية، إلا أنّه لم يعد خافياً أنّ أحد هؤلاء الأبناء المدعو سيف أصبح يلعب دوراً سياسياً ويملك صلاحيات لا يتمتّع بها سوى والده وهي تتجاوز صلاحيات أي شخصية أخرى في النظام الانقلابي.

إنّ بروز ظاهرة (أبناء الرؤساء ) الذين يملكون نفوذاً سياسياً واسعاً، إذا كانت مستهجنة في (النظم الجمهورية) فهي بالتأكيد أكثر استهجاناً في النظم التي تدّعي أنّها (جماهيرية) وأنّها (سلّمت السلطة للشعب).

ولا شكّ أنّ بروز ظاهرة أبناء القذافي بهذه الممارسات والصلاحيات المالية و(الرياضية) والسياسية الواسعة هي دليل آخر قاطع على زيف دعاوى القذافي حول نظامه الجماهيري البديع ودليل آخر على أنّ القذافي هو صاحب الكلمة والأخيرة في هذا النظام.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المدعو (الزناتي محمد الزناتي) هو أحد أقارب القذافي وهو يحتلّ منصب (الأمين لمؤتمر الشعب العام ( منذ أكتوبر 1992).

والخلاصة أنّه على الرغم من ادّعاءات القذافي بأنّه منذ مارس 1977 لم يعد ملكاً ولا حاكماً ولا رئيساً ولا أميراً، إلا أنّه في واقع الحال ظلّ يملك ويمارس صلاحيات لا يملكها أو يمارسها أيّ من هؤلاء.

إنّ أحداً لا يستطيع أن ينكر مسئولية عدد كبير من المنتمين إلى الفئات التي أشرنا إليها والتي يتركّب منها (النظام الانقلابي) عن الجرائم والانتهاكات والمآسي التي ارتكبت بحقِّ الشعب الليبي على امتداد هذه السنوات، لا سيّما:

1- أنّ عدداً من أعضاء مجلس قيادة الثورة وممّن يدعون بالضباط الأحرار قد أعانوا الضابط معمر القذافي على الاستفراد بالسلطة والاستمرار فيها وفي التخلّص من معارضيه، حتى من رفاقهم، وفي التنكيل بخصومه، وفي تنفيذ سياساته ومخططاته وبرامجه رغم ما يعلمونه من فسادها وشرورها وخياناتها ومصادمتها لأماني وتطلّعات الشعب الليبي وأماني جيرانه وأمَّته. كما أنّ عدداً من هؤلاء مارس الطغيان والإجرام والإفساد واستغلال السلطة والنفوذ في دائرته الصغيرة ولمصلحته الشخصية.

2- كما أنّ الغالبية الساحقة من عناصر اللجان الثورية والأجهزة الأمنية المختلفة عاشت الفساد ومارست الإفساد بشتى أشكاله وألوانه، وكرّست استبداد الضابط القذافي وطغيانه، وقدّمت له كافّة صور الحماية، كما قدّمت نفسها أدوات طيّعة في خدمة إجرامه وإرهابه وقمعه ومجونه ومؤامراته. كما أنّ الغالبية منهم مارست الإجرام والقمع والمجون في دوائرها الخاصّة ولمصالحها الذاتية والعائلية والقبلية.

3- كما أنّ عدداً من الإداريين والفنّيين، من وزراء وما دونهم، سمحوا لأنفسهم بالمشاركة في تنفيذ سياسات وبرامج ومشروعات القذافي وهم يعلمون مسبقاً فسادها وإضرارها باقتصاد البلاد وخزانتها وتعليمها وإدارتها وأمنها وبنيتها وبمستقبل أجيالها فضلاً عن الإساءة إلى سمعة ليبيا وكافّة علاقاتها.. كما أنّ الكثير من هؤلاء أحجم عن إبداء رأيه الفني والتخصّصي بأمانة إن لم يكن بشجاعة وصراحة. بل إنّ بعضهم زيّن هذه السياسات والممارسات الفاسدة وقدّم لها المسوّغات والتبريرات المضلّلة وزيّف بشأنها النتائج والتقارير. كما أنّ عدداً غير قليل منهم وظّف ووجّه هذه المشروعات والبرامج لخدمة مصلحته الشخصية والعائلية والقبلية.

4- كما أنّ الغالبية العظمى من العناصر التي شاركت في (مسرحية) المؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب العام وفي فوضى اللجان الشعبية وفي كافّة (المهازل) التي شهدتها هذه السنوات العجاف، قبلت أن يمرّر القذافي باسمها ومن خلالها عملية تزييف إرادة الشعب الليبي، كما رضيت بأن يصدر القذافي باسمها قرارات وتوصيات كانت ذات نتائج تدميرية على اقتصاد الشعب الليبي وخزانته وقواته المسلحة وعلى قِيَمه وأخلاقه ومستقبل أجياله.

5- كما أنّ عدداً غير قليل من أبناء قبيلة القذاذفة وبعض القبائل الأخرى انحازوا للقذافي انحيازاً عشائرياً أعمى رغم ما يعرفونه عنه من فساد ومجون واستبداد وإجرام. وقدّم هؤلاء للقذافي كلّ صوَر الحماية والمساندة التي بمقدورهم تقديمها استجابةً لرابطة قبلية عمياء، وإيثاراً لمصالح ومنافع مادية وسلطوية أنانية عاجلة، متناسين ومتجاهلين الأعراف والتقاليد والأخلاق التي تحكم مجتمعنا الليبي المسلم وتشدّ مختلف فئاته وقبائله وعائلاته وبيوتاته منذ أقدم العصور.. أمّا ما قام به أبناء القذافي منذ بداية التسعينات فليس خافياً على أحد وقد لا يكون مستغرَباً من أحد.

هذه حقائق ليس بمقدور أحد منّا تجاهلها أو القفز عنها عند الحديث عن مسؤولية (النظام الانقلابي) بشأن الجرائم والانتهاكات التي ارتكِبت بحقِّ الشعب الليبي على امتداد العقود الثلاثة الماضية.. فهؤلاء جميعاً شاركوا بدرجة أو بأخرى في تنفيذ هذه الجرائم واقتراف هذه الانتهاكات.

ومع ذلك، فنحسب أنّ معايير العدل والإنصاف والمنطق توجب علينا أن نشير في هذا السياق إلى الحقائق التالية:

أولاً: أنّ عدداً من أعضاء (مجلس قيادة الثورة) عارضوا استبداد القذافي واحتجّوا على كثير من ممارساته وسياساته، كما دعوا إلى عودة الجيش إلى ثكناته، وطالبوا بوضع دستور دائم للبلاد وإجراء انتخابات عامّة بها، واستقال بعضهم احتجاجاً على هذه الممارسات، كما أن آخرين خطّطوا وشاركوا في محاولات مبكّرة للإطاحة بالقذافي والقضاء عليه ودفعوا ثمناً باهظاً لتلك المحاولات.

ثانياً: أنّ عدداً كبيراً من (الضباط الوحدويين الأحرار) تصدّوا للقذافي منذ مرحلة مبكّرة واستنكروا استبداده وممارساته، بل وشاركوا في محاولات الإطاحة بحكمه، ومن هؤلاء من دفع حياته ثمناً لموقفه إمّا بالموت في ظروف غامضة أو أمام فرق الإعدام، ومنهم من دخل السجن لسنوات طويلة بسبب اتّهامه بالاشتراك في نشاط يناهض القذافي.

ثالثاً: أنّ عدداً - ولو محدوداً- من عناصر اللجان الثورية وأجهزة الأمن والمخابرات قاوموا بطريقة أو بأخرى إرهاب القذافي وممارساته الدموية ولم يستجيبوا بشكل كلّي لصور تحريضه عليها، ودفع عدد منهم ثمناً لهذه المواقف.

رابعاًً: أنّ عدداً من أبناء قبيلة القذاذفة والقبائل المحسوبة عليها، نأوا بأنفسهم عن أن تجرّهم العصبية القبلية العمياء لأن يكونوا أدوات لإجرام القذافي. بل إنّ بعضهم انضمّ إلى فئات الشعب الليبي المعارضة للنظام، كما أنّ عدداً من هؤلاء سعى للقضاء على القذافي والتخلص منه.

خامساً: أنّ بعض المؤتمرات الشعبية نجحت، ولو على نطاق محدود وبصفة مؤقتة، في معارضة وإفشال عدد من سياسات القذافي ومخطّطاته التدميرية كمشروع (الشريط الساحلي) ومشروع (تجنيد المرأة) ومشروع (المقايضة) ومشروع (إلغاء التعليم الابتدائي). نحسب أنّ هذه المواقف تعفي أصحابها من كثير من المسؤولية عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها (النظام الانقلابي)..

ولكن ألا يظلّ هؤلاء مسؤولين عن بقية الجرائم الأخرى التي ارتكبها النظام الانقلابي وهم جزء من هذا النظام؟

ومع ذلك فإنّنا نرى أنّ الإنصاف والعدل يفرضان علينا القول أنّ المسؤولية الأولى والأساسية والكاملة عن كافّة هذه الجرائم والانتهاكات إنّما تقع على المدعوّ معمر القذافي.. أمّا مسؤولية أعوانه وبقية عناصر النظام الأخرى عنها، فهي مسؤولية محدودة لا مطلقة.. وهي لا تتجاوز ما يُعرف في القانون بمسؤولية (التابع) أو (الأداة).

ولا ينبغي في هذا السياق أن ننسى..

- أنّ معمر القذافي وحده هو الذي أنشأ هذه الأجهزة واللجان والهياكل بمسمّياتها المختلفة.

- وأنّ معمر القذافي وحده هو الذي حدّد لهذه الأجهزة واللجان والهياكل مهامها واختصاصاتها ودليل عملها كما وضع لها جداول أعمالها، وصاغ مقرّراتها وتوصياتها ونسبها إليها.

- وأنّ معمر القذافي ذاته هو الذي اختار أعضاء وعناصر هذه الأجهزة واللجان والهياكل وقام بتحريضها، بشكل علني وخفي، على الإرهاب والقتل والقمع والقيام -باسم الثورة والشعارات الثورية- بكافّة الممارسات الظالمة الجائرة.

- وأنّ القذافي -ولا أحد غيره- هو الذي أطلق أيدي هذه الأجهزة واللجان والهياكل للقيام بمهامها الإجرامية الإرهابية ووضع تحت تصرّفها كافّة الإمكانات والمستلزمات الضرورية.

- كما أنّ القذافي -ولا أحد غيره- هو الذي أصدر إلى هذه العناصر أوامر التكليف بتنفيذ مهامها الإجرامية.. وهو الذي سعى دوماً للتغطية على هذه الجرائم..ولتقديم التبريرات لها.. ولحماية مرتكبيها بل ولإجزال العطايا والمنح لهم.

هذه حقائق معروفة وثابتة.. ويوجد عشرات إن لم يكن مئات الشهود عليها.. وهي تؤكّد بما لا يدع أيّ مجال للشكّ بأنّ الضابط معمر القذافي هو المسؤول الأول والرئيسي والأخير عن كافّة الجرائم والمظالم التي ارتكبت بحقِّ الشعب الليبي في ظلّ النظام الانقلابي طوال هذه السنوات.
ولن يغيّر من هذه الحقائق أو يقلّل من قيمتها وأهمّيتها شيئا..

* ادّعاء القذافي في مناسبات عديدة بأنّه ليس بحاكم ولا ملك ولا رئيس.. فالصلاحيات (الثورية) التي أعطاها القذافي لنفسه تتجاوز ما أعطته كافّة الدساتير والقوانين لأي حاكم أو ملك أو رئيس.

* أو قدرة القذافي ونجاحه في إصدار كافّة أوامره وتعليماته شِفاهاً ودون دليل مكتوب، أو نجاحه في تغييب وإخفاء أدلّة وقرائن وشهود تورّطه وتدلّل على مسؤوليته سواء أكانت هذه الأدلة والقرائن مادية أو بشرية. فالمعروف أنّ جميع الحكام الطغاة ممّن هم على شاكلة القذافي لا يعطون أوامر كتابية كما أنّهم لا يتردّدون حتى في تصفية من يخشون أن يكونوا شهوداً يوماً ما على جرائمهم.

* ادّعاء القذافي بعدم علمه بما جرى من مظالم ومفاسد وجرائم وتجاوزات في ظلّ نظامه الانقلابي على امتداد هذه السنوات. فقد قال الشاعر العربي منذ زمن بعيد: إنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.

وحتى لو لم يكن القذافي يعلم بتلك المظالم والجرائم والتجاوزات، فهو يظلّ مسؤولاً عنها بحكم مبدأ (مسؤولية الرئيس عن أعمال تابعيه).

وقد ورد على لسان الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض(1) خلال اللقاء الذي أجراه معه برنامج (بلا حدود) بقناة (الجزيرة) العربية يوم 17-12-2003 ما نصّه:

(هناك مبدأ دولي حاسم.. وهو أنّ الرئيس يُسأل عن أعمال تابعيه، حتى لو لم يكن أصدر أوامر وحتى لو لم يكن يعلم... في خبرتي العملية ما لقيتش رئيس بيدّي أوامر مكتوبة أبداً، بيدّي إمّا أوامر شفهية، يا إمّا يسكت ويسيبهم يتصرّفوا دون أن يتدخّل، فحتى السكوت يعتبر جريمة، وحتى عدم العلم يعتبر جريمة، لأنّ الرئيس مفروض أن يعلم...)

إذن فقد انتهينا في هذه المقالة إلى ثلاث خلاصات:

أوّلها: أنّ ليبيا تعيش في ظلّ النظام الانقلابي الذي يقوده معمر القذافي، وضعاً مأساوياً كارثياً عزّ نظيره وانتفى تبريره.

ثانيها: أنّ إيصال ليبيا وشعبها إلى هذه الحالة المأساوية هو جريمة في غاية البشاعة، بكافّة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وسواء نظرنا إليها من منظور وطني أم قومي أم إنساني.

ثالثها: أنّ معمر القذافي هو المسؤول الأول عن وقوع هذه الجريمة/الكارثة مسؤولية أساسية وكلّية ومطلقة. وفي اعتقادنا أنّ هناك نتيجتين منطقيتين تترتّبان على هذه الخلاصات:

الأولى: حقّ الشعب الليبي في المطالبة بمحاكمة الضابط معمر القذافي عن هذه الجريمة أو هذا السجل من الجرائم.

الثانية: حقّ الشعب الليبي في اعتبار الضابط معمر القذافي غير مؤهّل لأن يكون طرفاً عند البحث في مستقبل ليبيا أو حلّ مشاكلها القائمة.

ضرورة المطالبة بمحاكمة القذافي

قلنا من قبل إنّ لكلّ جريمة فاعلاً.. كما أنّ لكلّ جريمة عقوبة.

وإنّ منطق الحقّ والعدل الأزليين يوجب ملاحقة الجاني أيّاً كان، وإلحاق القصاص العادل به. يستوي في ذلك أن يكون الجاني وضيعاً أم كبيراً، غنياً أم معدماً، حاكماً أم محكوماً.. يتكلّم العربية أو العبرية أو اللاتينية أو غيرها من لغات الدنيا..

وفيما نعلم، فإنّ الضابط معمر أبا منيار القذافي هو في نظر الشعب الليبي المتّهم الأول والرئيسي بارتكاب هذه الجريمة التي حلّت بهم وببلادهم منذ الأول من سبتمبر 1969، وهو المسؤول الأول والرئيسي عن إيصال ليبيا إلى هذه الحالة المأساوية الكارثية التي تحياها..

ومن ثمّ فإنّ المطالبة بتقديم هذا القذافي إلى القضاء العادل ومحاكمته عمّا ارتكبه وجنته يداه على امتداد الأربعة والثلاثين عاماً الماضية هي حقّ طبيعي ومشروع للشعب الليبي تسنده كافّة الشرائع السماوية والوضعية.

وإنّ هذه المطالبة هي حقّ عام لكافّة الليبيّين.. ولا يملك أيّ شخص أو فئة منهم الصفة التي تخوله للتنازل عن هذا الحقّ تحت أيّ ظرف وبأيّ ذريعة وأي مبرّر..

كما أنّ هذه المطالبة هي ضرورة وطنية حيوية إذا أردنا - نحن الليبيّين- صلاح أوضاع بلادنا على أسس صحيحة راسخة، ورغبنا في الحيلولة دون تكرار هذه المأساة الكارثة مرّة أخرى في المستقبل.

ولا ينبغي لشعبنا حتى وإن بدا الآن عاجزاً -في ظلّ الظروف الراهنة- عن تحقيق هذا المطلب.. أن يتنازل عنه أو أن يترخّص فيه..

قد يكون لدول وشعوب أخرى حقوق وحسابات كثيرة مع القذافي ونظام حكمه.. ومن حقّ هذه الدول أن تقرّر ما تشاء بشأن هذه الحقوق والحسابات وفقاً لمبادئها ومصالحها وظروفها.. فهذا شأنها وحقّها.. أمّا بالنسبة لما اقترفه القذافي ونظام حكمه بشأن ليبيا وشعبها.. ومحاسبة ومساءلة ومقاضاة ومعاقبة هذا النظام ورموزه عنها.. فهذا شأن ليبيّ محض.. وهو حقّ للشعب الليبي بكامله وحده.. كما أنّه فضلاً عن ذلك واجب تقع أعباؤه على كاهل الشعب الليبي وحده.. ولا ينبغي لشعبنا أن يتوقّع من أيّ أحد أو أيّ جهة غيره أن تضطلع بهذه المسؤولية نيابة عنه.

نعم.. قد يكون من حقّ الشعب الليبي أن يتوقّع من أشقائه وجيرانه وبقية الأسرة الدولية، وبخاصّة تلك التي تظهر حدباً على قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة واهتماماً بمسيرة الديمقراطية في العالم، أن تتعاطف معه وأن تناصر نضاله لرفع هذه المظالم والانتهاكات التي ارتكبها بحقه القذافي ونظامه الانقلابي، وأن تساند جهود شعبنا في ملاحقة ومقاضاة ومعاقبة المسؤولين عنها.. ومع ذلك فإنّ هذه المهمة تبقى شأناً ليبيّاً بالدرجة الأولى والأساسية.

وفي اعتقادي الخاص فإن أي دعوة لإصلاح الأوضاع السياسية القائمة في ليبيا لا تتضمن مطلب تقديم العقيد معمر القذافي إلى القضاء والمحاكمة عن جرائم 34 سنة الماضية، هي دعوة قاصرة ومتجنية ولا تلبي المطالب الحقيقية للشعب الليبي في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه. وليس لمثل هذه الدعوة من سوى الفشل فضلاً عن طعن مسيرة شعبنا نحو العدل والحرية والتقدم.

القذافي ليس جزءاً من الحل..

النتيجة الثانية المترتّبة على اعتبار القذافي مسؤولاً عن هذه الحالة المأساوية التي بلغتها أوضاع ليبيا.. هي إسقاطه كطرف عند محاولة البحث عن حلّ للواقع الكارثي الذي تحياه ليبيا..

* فالقذافي هو سبب المشكلة القائمة في ليبيا وبالتالي فلا يمكن أن يكون هو، أو مقولاته وأفكاره، أو رموز نظامه المتورطة بمن فيهم أبناؤه، جزءاً من الحلّ لهذه المشكلة.

* كما أنّ القذافي غير جدير بأن يُحاور، وغير مؤهّل بأن تُوجّه إليه أيّة مطالبات ومناشدات بإحداث إصلاحات أو تغييرات في نظام الحكم.

* كما أنّ القذافي استنفد - بعد أربع وثلاثين سنة في الحكم - كلّ الفرص التي يمكن أن تُعطى لأيّ حاكم كي يجرّب على شعبه أفكاره وشطحاته.

وإنّ من واجب الشعب الليبي ومن حقّه أيضاً أن يصرَّ على هذه القناعات وهذه النتائج لمواجهة مستجدّات الوضع الراهن لقضية بلاده.

وإنّ من حقّ الشعب الليبي وواجبه أن يذكّر القذافي ومن يدعو إلى استمرار نظام حكمه أو من يدعو لأن نوُرّث كالأنعام والسائمة لأحد أبنائه.. إنّ من حقّ شعبنا وواجبه أن يذكّر هؤلاء جميعاً..

* أنّ هذا الضابط القذافي لم يكن أحد أبطال استقلال ليبيا.

* ولم يكن حتى نجلاً لأحد أبطال هذا الاستقلال.

* وإنّ من حقّ شعبنا ومن واجبه أن يذكّر هؤلاء جميعاً..

* أنّ الضابط القذافي ليس سوى متآمر وسارق سلطة.

* وأنّ هذا الضابط لم يجرؤ يوماً على ترشيح نفسه في انتخابات عامة.. ولم يستند وجوده في الحكم يوماً إلى شرعية دستورية أو رضا شعبي حقيقي. (إذا ما استثنينا بالطبع مؤتمر أبي سليم).

* وإنّ من حقّ شعبنا ومن واجبه أن يقول لهؤلاء جميعاً وبأعلى صوته..

* سواء أكان الضابط القذافي مخبراً لدى مخابرات العهد الملكي أم لم يكن..

* وسواء أكان عميلاً صنيعة لتلك الجهة أم لم يكن..

* وسواء أكان (أخواله) كما يقول بعض معارضيه أم لم يكونوا..

* وسواء أكان هو مؤلّف (الكتاب الأخضر) أم لم يكن..

* وسواء أكان أوسم المخلوقات طرّاً.. أو كان أقبحهم خلقة وفعالاً..

- ألا تكفيه أربعة وثلاثين عاماًَ كاملة من إخضاع ليبيا لإرادته وعبثه وتخلفّه..

وإذا كان بمقدوره أن يجلب لليبيا وشعبها أيّ خير، فما الذي منعه حتى الآن من جلبه؟ ولِمَ انتظاره كلّ هذه السنوات؟!

- وإذا كان ما جلبه هذا القذافي على ليبيا حتى الآن ليس سوى الشرور، بكلّ أنواعها وسبلها..

أليس من حقّ أبناء شعبها أن يقولوا له كفانا من شرورك ومن (جنّتك) التي ظللت تزعم أنّك (تريد أن تأخذهم إليها بالسلاسل).
د. محمد يوسف المقريف
رئيس ديوان المحاسبة الأسبق وسفير ليبيا الأسبق لدى الهند
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://agid.yoo7.com
 
التاريخ الأسود لشيطان الإرهاب القذافي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المحبة :: قسم الأدبي :: منتدى القصصي-
انتقل الى: